فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)}.
اعلم أنه تعالى لما قال بعد ذكر أهل الجنة ووصفها {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} [الصافات 61] أتبعه بقوله: {أذلك خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يورد ذلك على كفار قومه ليصير ذلك زاجرًا لهم عن الكفر، وكما وصف من قبل مآكل أهل الجنة ومشاربهم وصف أيضًا في هذه الآية مآكل أهل النار ومشاربهم.
أما قوله: {أذلك خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} فالمعنى أن الرزق المعلوم المذكور لأهل الجنة {خَيْرٌ نُّزُلًا} أي خير حاصلًا {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} وأصل النزل الفضل الواسع في الطعام يقال طعام كثير النزل، فاستعير للحاصل من الشيء، ويقال أرسل الأمير إلى فلان نزلًا وهو الشيء الذي يصلح حال من ينزل بسببه، إذا عرفت هذا فنقول حاصل الرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام، إما على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما اختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم، والكافرين اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم فقيل لهم ذلك توبيخًا لهم على سوء اختيارهم، وأما {الزقوم} فقال الواحدي رحمه الله لم يذكر المفسرون.
للزقوم تفسيرًا إلا الكلبي فإنه روي أنه لما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعري أكثر الله في بيوتكم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته زقمينا فأتته بزبد وتمر، وقال: تزقموا.
ثم قال الواحدي ومعلوم أن الله تعالى لم يرد بالزقوم هاهنا الزبد والتمر، قال ابن دريد لم يكن للزقوم اشتقاق من التزقم وهو الإفراط من أكل الشيء حتى يكره ذلك يقال بات فلان يتزقم.
وظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعام منتنة الرائحة شديدة الخشونة موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تناول بعض أجزائها.
أما قوله تعالى: {إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} ففيه أقوال: الأول: أنها إنما صارت فتنة للظالمين، من حيث إن الكفار لما سمعوا هذه الآية، قالوا: كيف يعقل أن تنبت الشجرة في جهنم مع أن النار تحرق الشجرة؟ والجواب عنه أن خالق النار قادر على أن يمنع النار من إحراق الشجر، ولأنه إذا جاز أن يكون في النار زبانية والله تعالى يمنع النار عن إحراقهم فلم لا يجوز مثله في هذه الشجرة؟ إذا عرفت هذا السؤال والجواب فمعنى كون شجرة الزقوم فتنة للظالمين هو أنهم لما سمعوا هذه الآية وقعت تلك الشبهة في قلوبهم وصارت تلك الشبهة سببًا لتماديهم في الكفر فهذا هو المراد من كونها فتنة لهم والوجه الثاني: في التفسير أن يكون المراد صيرورة هذه الشجرة فتنة لهم في النار لأنهم إذا كلفوا تناولها وشق ذلك عليهم، فحينئذ يصير ذلك فتنة في حقهم الوجه الثالث: أن يكون المراد من الفتنة الامتحان والاختبار، فإن هذا شيء بعيد عن العرف والعادة مخالف للمألوف والمعروف، فإذا ورد على سمع المؤمن فوض علمه إلى الله وإذا ورد على الزنديق توسل به إلى الطعن في القرآن والنبوة.
ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وصفها بصفات الصفة الأولى: قوله إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها الصفة الثانية: قوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ الشياطين} قال صاحب الكشاف: الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها، إما استعارة لفظية أو معنوية، وقال ابن قتيبة سمي {طلعًا} لطلوعه كل سنة، ولذلك قيل طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره، وأما تشبيه هذا الطلع برؤوس الشياطين ففيه سؤال، لأنه قيل إنا ما رأينا رؤوس الشياطين فكيف يمكن تشبيه شيء بها؟ وأجابوا عنه من وجوه: الأول: وهو الصحيح أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة واعتقدوا في الشياطين نهاية القبح والتشويه في الصورة والسيرة، فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة تقرير الكمال والفضيلة في قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] فكذلك وجب أن يحسن التشبيه برؤوس الشياطين في القبح وتشويه الخلقة، والحاصل أن هذا من باب التشبيه لا بالمحسوس بل بالمتخيل، كأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال هو رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح النظر وتشويه الصورة، والذي يؤكد هذا أن العقلاء إذا رأوا شيئًا شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة، قالوا إنه شيطان، وإذا رأوا شيئًا حسن الصورة والسيرة، قالوا إنه ملك، وقال امرؤ القيس:
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

والقول الثاني: أن الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات، وبها يضرب المثل في القبح، والعرب إذا رأت منظرًا قبيحًا قالت: كأنه شيطان الحماطة، والحماطة شجرة معينة والقول الثالث: أن رؤوس الشياطين، نبت معروف قبيح الرأس، والوجه الأول هو الجواب الحق، واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وذكر صفتها بين أن الكفار {لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} واعلم أن إقدامهم على ذلك الأكل يحتمل وجهين: الأول: أنهم أكلوا منها لشدة الجوع، فإن قيل وكيف يأكلونها مع نهاية خشونتها ونتنها ومرارة طعمها؟ قلنا: إن الواقع في الضرر العظيم ربما استروح منه إلى ما يقاربه في الضرر، فإذا جوعهم الله الجوع الشديد فزعوا في إزالة ذلك الجوع إلى تناول هذا الشيء وإن كان بالصفة التي ذكرتموها الوجه الثاني: أن يقال الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة تكميلًا لعذابهم.
واعلم أنهم إذا شبعوا فحينئذ يشتد عطشهم ويحتاجون إلى الشراب، فعند هذا وصف الله شرابهم، فقال: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات 67] قال الزجاج: الشوب اسم عام في كل ما خلط بغيره، والحميم الماء الحار المتناهي في الحرارة، والمعنى أنه إذا غلبهم ذلك العطش الشديد سقوا من ذلك الحميم، فيحنئذ يشوب الزقوم بالحميم نعوذ بالله منهما.
واعلم أن الله وصف شرابهم في القرآن بأشياء منها كونه غساقًا، ومنها قوله: {وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} [محمد: 15] ومنها ما ذكره في هذه الآية، فإن قيل ما الفائدة في كلمة {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} قلنا فيه وجهان الأول: أنهم يملأون بطونهم من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم فيعظم عشطهم، ثم إنهم لا يسقون إلا بعد مدة مديدة والغرض تكميل التعذيب، والثاني: أنه تعالى ذكر الطعام بتلك البشاعة والكراهة، ثم وصف الشراب بما هو أبشع منه، فكان المقصود من كلمة ثم بيان أن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول، ثم قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} قال مقاتل: أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم، وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم، وذلك بأن يكون الحميم من موضع خارج عن الجحيم، فهم يوردون الحميم لأجل الشرب كما تورد الإبل إلى الماء، ثم يوردون إلى الجحيم، فهذا قول مقاتل، واحتج على صحته بقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} [الرحمن: 43، 44] وذلك يدل على صحة ما ذكرناه، ثم إنه تعالى لما وصف عذابهم في أكلهم وشربهم قال: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} قال الفراء: الإهراع الإسراع يقال هرع وأهرع إذا استحث، والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعًا في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم، والمقصود من الآية أنه تعالى علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها بتقليد الآباء في الدين وترك اتباع الدليل، ولو لم يوجد في القرآن آية غير هذه الآية في ذم التقليد لكفى.
ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ما يوجب التسلية له في كفرهم وتكذيبهم، فقال: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} فبين تعالى أن إرساله للرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف، ويجب أن يكون له صلى الله عليه وسلم أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا، ويستمر على الدعاء إلى الله وإن تمردوا، فليس عليه إلا البلاغ.
ثم قال تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} وهذا وإن كان في الظاهر خطابًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن المقصود منه خطاب الكفار لأنهم سمعوا بالأخبار جميع ما جرى من أنواع العذاب على قوم نوح وعلى عاد وثمود وغيرهم، فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوف يصلح أن يكون زاجرًا لهم عن كفرهم.
وقوله تعالى: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فيه قولان أحدهما: أنه استثناء من قوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} والثاني: أنه استثناء من قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} [يونس: 73] فإنها كانت أقبح العواقب وأفظعها إلا عاقبة عباد الله المخلصين، فإنها كانت مقرونة بالخير والراحة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)}.
الألف من قوله: {أذلك} للتقرير، والمراد تقرير قريش والكفار، وجاء بلفظة التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما من حيث كان الكلام تقريرًا، والاحتجاج يقتضي أن يوقف المتكلم خصمه على قسمين: أحدهما فاسد ويحمله بالتقرير على اختبار أحدهما ولو كان الكلام خبرًا لم يجز ولا أفاد أن يقال الجنة خير من {شجرة الزقوم} وأما قوله تعالى: {خير مستقرًا} [الفرقان: 24] فهذا على اعتقادهم في أن لهم مستقرًا جيدًا وقد تقدم إيعاب هذا المعنى.
قال القاضي أبو محمد: وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة مرة مسمومة لها لبن إن مس جسم أحد تورهم، ومات منه في أغلب الأمر تسمى شجرة الزقوم، والتزقم في كلام العرب البلع على شدة وجهد، وقوله تعالى: {إنا جعلناها فتنة للظالمين} قال قتادة والسدي ومجاهد: يريد ابا جهل ونظراءه وذلك أنه لما نزلت {أذلك خير نزلًا أم شجرة الزقوم} قال الكفار، وكيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار وهي تأكلها وتذهبها ففتنوا بذلك أنفسهم وجهلة من أتباعهم، وقال أبو جهل: إنما الزقوم التمر بالزبد ونحن نتزقمه، وقوله: {في أصل الجحيم} معناه ملاصق نهاياتها التي لها كالجدرات، وفي قراءة ابن مسعود {إنها شجرة ثابتة في أصل الجحيم} وقوله تعالى: {كأنه رؤوس الشيطان} اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة: شبه بثمر شجرة معروفة يقال لها {رؤوس الشياطين} وهي بناحية اليمن يقال لها الأستق، وهو الذي ذكر النابغة في قوله:
تحيد من أستق سودًا أسافله

ويقال إنه الشجرة الذي يقال له الصوم وهو الذي يعني ساعدة بن جوبة في قوله:
موكل بشدوق الصوم يرقبها ** من المغارب مخطوف الحشا زرم

وقالت فرقة: شبه ب {رؤوس} صنف من الحيات يقال لها الشياطين وهي ذوات أعراف ومنه قول الشاعر: الرجز:
عجيز تحلف حين أحلف ** كمثل شيطان الحماط اعرف

وقالت فرقة: شبه بما استقر في النفوس من كراهة {رؤوس الشياطين} وقبحها، وإن كانت لم تر، وهذا كما تقول لكل شعث المنتفش الشعر الكريه المنظر هذا شيطان ونحو هذا قول امرىء القيس الطويل:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فإنما شبه بما استقر في النفوس من هيبتها، والشوب المزاج والخلط، قاله ابن عباس وقتادة، وقرأ شيبان النحوي {لشُوبًا} بضم الشين، قال الزجاج: فتح الشين المصدر، وضمه الاسم، و{الحميم} السخن جدًا من الماء ونحوه، فيريد به ها هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ينماع منهم، هذا قول جماعة من المفسرين، وقوله تعالى: {ثم إن مرجعهم} يحتمل أن يكون لهم انتقال أجساد في وقت الأكل والشرب، ثم يرجعون إلى معظم الجحيم وكثرته، ذكره الرماني وشبه بقوله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن: 44]، ويحتمل أن يكون الرجوع إنما هو من حال ذلك الأكل المعذب إلى حال الاحتراق دون أكل، وبكل احتمال قيل، وفي مصحف ابن مسعود {وأن منقلهم لإلى الجحيم} وفي كتاب أبي حاتم عنه {مقيلهم} من القائلة وقوله تعالى: {إنهم ألفوا آباءهم ضالين} إلى آخر الآية تمثيل لقريش و{يهرعون} قال قتادة والسدي وابن زيد: معناه يسرعون كأنهم يساقون بعجلة وهذا تكسبهم للكفر وحرصهم عليه، والإهراع سير شديد قال مجاهد: كهيئة الهرولة.
قال القاضي أبو محمد: فيه شبه رعدة وكأنه أيضًا شبه سير الفازع.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)}.
مثل تعالى لقريش في هذه الآية بالأمم التي ضلت قديمًا وجاءها الإنذار وأهلكها الله بعذابه، وقوله تعالى: {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} يقتضي الإخبار بأنه عذبهم، ولذلك حسن الاستثناء في قوله: {إلا عباد الله}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ} مبتدأ وخبر، وهو من قول الله جل وعز.
{نُّزُلًا} على البيان؛ والمعنى أنعيم الجنة خير نزلًا {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} خير نزلًا.
والنُّزُل في اللغة الرزق الذي له سعة النحاس وكذا النُّزْل إلا أنه يجوز أن يكون النُّزْل بإسكان الزاي لغة، ويجوز أن يكون أصله النُّزُل؛ ومنه أقيم للقوم نُزُلهم، واشتقاقه أنه الغِذاء الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه.
وقد مضى هذا في آخر سورة آل عمران.
وشجرة الزقوم مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتْنها.
قال المفسرون: وهي في الباب السادس، وأنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء؛ فلابد لأهل النار من أن ينحدر إليها مَن كان فوقها فيأكلون منها، وكذلك يصعد إليها من كان أسفل.
واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي تعرفها العرب أم لا على قولين: أحدهما أنها معروفة من شجر الدنيا.
ومن قال بهذا اختلفوا فيها؛ فقال قطرب: إنها شجرة مُرَّة تكون بتهامة من أخبث الشجر.
وقال غيره: بل هو كل نبات قاتل.
القول الثاني: إنها لا تعرف في شجر الدنيا.
فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش: ما نعرف هذه الشجرة.
فقدم عليهم رجل من إفريقية فسألوه فقال: هو عندنا الزُّبْد والتّمر.
فقال ابن الزِّبَعْرى: أكثر الله في بيوتنا الزقوم.
فقال أبو جهل لجاريته: زَقِّمينا؛ فأتته بزبد وتمر.
ثم قال لأصحابه: تَزَّقموا؛ هذا الذي يخوّفنا به محمد؛ يزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجرا.
قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} أي المشركين، وذلك أنهم قالوا: كيف تكون في النار شجرة وهي تحرق الشجر؟ وقد مضى هذا المعنى في سبحان واستخفافهم في هذا كقولهم في قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30].
ما الذي يخصص هذا العدد؟ حتى قال بعضهم: أنا أكفيكم منهم كذا فاكفوني الباقين.
فقال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} [المدثر: 31] والفتنة الاختبار، وكان هذا القول منهم جهلًا، إذ لا يستحيل في العقل أن يخلق الله في النار شجرًا من جنسها لا تأكله النار، كما يخلق الله فيها الأغلال والقيود والحيات والعقارب وخزنة النار.
وقيل: هذا الاستبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقع الآن للملحدة، حتى حملوا الجنة والنار على نعيم أو عقاب تتخلله الأرواح، وحملوا وزن الأعمال والصراط واللوح والقلم على معاني زوَّروها في أنفسهم، دون ما فهمه المسلمون من موارد الشرع، وإذا ورد خبر الصادق بشيء موهوم في العقل، فالواجب تصديقه وإن جاز أن يكون له تأويل، ثم التأويل في موضع إجماع المسلمين على أنه تأويل باطل لا يجوز، والمسلمون مجمعون على الأخذ بهذه الأشياء من غير مصير إلى علم الباطن.
وقيل إنها فتنة أي عقوبة للظالمين؛ كما قال: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات: 14].
قوله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم} أي قعر النار ومنها منشؤها ثم هي متفرّعة في جهنم.
{طَلْعُهَا} أي ثمرها؛ سمي طلعًا لطلوعه.